2025-06-16 10:33 م
إدارة الموقع
2025-06-16 10:33 م
نبضات المحبين

الطريق إلى الله (1)  

بقلم الأستاذ/ عبدالواسع عبدالله عبدالواحد 

الحمد لله والصلاة والسلام على إمام الدعاة، هذه بعض من المواقف التي لازالت عالقة في الذهن مما لها تأثير لمسيرة حياة قطعتها مع شمس مضيئة تمد بالنور والدفيء وأقمار ونجوم زاهية من أشخاص ربطت بهم رابطة الأخوة الخالصة؛ فأثمرت الحب والرحمة والهداية والعلم والعمل والخلق الحسن وأثمرت حياة طيبة سعيدة، مواقف مع استاذنا الفاضل محمد علي إسماعيل في الدعوة و الطريق إلى الله..

الطريق إلى الله

مواقف مع من كان كرامة من الله لنا، وجعله سبباً من أسباب هدايتنا بعد الله ورسوله، أخذ بأيدينا إلى الله وأدخلنا المساجد، وقادنا للكتابة، فتعلمنا وحفظنا، دلنا الطريق إلى المدرسة والمعهد والجامعة فتعلمنا.

دلنا الطريق إلى المنبر فقعدنا وخطبنا، دلنا على طريق الرفعة في الإنضمام للإطار المتاجر مع الله فدخلنا، وأقرب الطرق المؤدية لصلاح الفرد والأمة والرقي بها فسلك إماما وتبعناه فيه فأحببناه أكثر من أنفسنا، نقولها حقيقة لا تملقاً، فهو بمنزلة الأب والأم والأخ، وإن حبه في قلبي طغى على حب نفسي، اسأل الله أن يكافئه على ذلك لأني لا أقدر على مكافأته، وأسأل الله أن ينتفع بهذه المواقف القارئ لها.

أولاً مع الأستاذ في المدرسة والدراسة:

  • ضبط الأسبوع الأول في المدرسة سبب في انتظام بقية العام الدراسي: من المواقف المهمة التي تعلمناها من الأستاذ في الجانب الإداري، أنه كان يجتهد في بداية العام الدراسة في ضبط المدرسة والعملية التعليمية وذلك بحضوره الأسبوع الأول والثاني حتى تستقر العملية التعليمية، هذا الإجراء كان كفيل بانتظامها بقية العام الدراسي كاملا، بعد ذلك لو حدث غياب للأستاذ المربي لأي سبب طارئ كان لا يؤثر ذلك الغياب على سير العملية التعليمية.
  • المذاكرة بجانب كل مسجد: حرص الأستاذ أن تكون مذاكرة الطلاب في الغالب بجانب المسجد، حيث كان لكل مسجد فصول للدراسة أو مكان كبير يسمى (ديوان) وأهمية ذلك واضحة.
  • مراعاة النظام والأخذ به يقدم على كل المعايير: كانت علاقتنا بالأستاذ علاقة الوالد بولده، وعلاقة الأخ بأخيه، تشعر بحبه واحترامه مع كل من قرب منه، وربما يجعلك تشعر بنظراته لك ببعض ما يصدر منك من تقصير، ربما بقصد أو بدون قصد، وكنت تجد هذا خارج دائرة العمل والمؤسسة القائمة على النظام والعمل، أما إذا كان في المدرسة أو العمل المؤسسي فإن الأستاذ يميل ويأخذ بالنظام وتشعر عند ذلك أنه لا يعرفك، والمواقف على هذه كثيره يعرفها الأستاذ وكل من كانت له علاقة به، فعلى سبيل المثال: مشيت معه إلى المدرسة، وكنت أحدثه ويحدثني حتى إذا ما وصلنا لساحة المدرسة وكان الوقت قد تأخر عن موعده فأمرني بالوقوف بصف المتأخرين ونالني ما نالهم من العقاب، وكان هذا ما يفعله الأستاذ حتى مع أفراد أسرته .
  • اعتنى بكلمة الطابور (الناس يسمعون لك): طابور مدرسة السلام كان كمثل احتفال مصغر يُقام في أي مناسبة، مليئاَ بالفقرات المختلفة ومن ضمنه كلمة الصباح، حيث كانت كلمة الصباح الأسبوعية محددة على الصف الذي أدرس فيه، لاحظ الأستاذ عليّ موهبة في الإعداد والإلقاء ولعله توسم أنني مهيأ لأن أكون خطيباً، فدعاني يوماً وهمس في اذني أن “كلماتي ممتازة“، ومن أهميتها كان الناس يستمعون لها وهم في منازلهم” فكان ذلك حافزاً لي للإعداد والاهتمام بها أكثر.
  • مدير مدرسة أم مدير جامعة: لا أبالغ بأن الأستاذ محمد علي اسماعيل  كان رئيس جامعة وليس مدير مدرسة فحسب ، حيث كانت مدرسة السلام بمقام جامعة في تلك الأيام التي كان يديرها ، ويعلم هذا كل طلابها وكل من ارتبطت به علاقة بها ، فكانت الأولى على مستوى المديرية علماً وتربية ونشاطاً، ومن أراد التأكد فليعلم  أنها كانت تقيم حفلين كبيرين في كل عام وتصدر منها مجلة شهرية ، وتقيم أكثر من رحلة شهرية وأكثر من مسابقة، ولينظر الى مخرجات هذه المدرسة في تلك الفترة ، حيث تجد العقيد في الجيش والخطيب والإمام في المسجد والطبيب والمعلم والمدير والمهندس والكاتب هم من مخرجات هذه المدرسة .

ثانياً: مع الأستاذ خارج المدرسة

من أسرار نجاح الأستاذ في نظري ما يلي:

  1. قوة الصلة بالله، ولا أزكيه في ذلك فقد كان صواما قواما محافظاً على الفروض والنوافل، ذاكراً سخياً بالصدقة، يجود بما عنده.
  2. العلم النافع، فهو أعلمنا بسبب دراسته السابقة وقوة الاطلاع.
  3. وضوح التصور، فقد كان الأستاذ لا يختار أحدا للعمل الذي يريد أن يكلفه فيه؛ إلا بناءا على استكشاف واضح للمؤهلات عند الفرد، فإذا كلف أحدهم قعد معه بجلسة خاصة، يوزع له مفردات التكليف وكيف يقوم به فإذا لم يقتنع قال له: اذهب وأعد خطة تعلمني فيها كيف ستقوم بمهامك، فيذهب ثم يرجع فإن رأى صوابه يقول له: قم بعملك وفقك الله
  4. الرغبة والحب للدعوة والمدعوين، فقد كان عافاه الله محباً للدعوة رغبة في الأجر العظيم وتحقيق النجاح، وحبه للمدعوين ابتداءا ممن بين يديه من المتربين، أو الجمهور الذي حوله، فقد كان يشعر من بين يديه في صف الدعوة أنه يحبهم ويحرص عليهم إلى الحد الذي كان يشعر أنه يحب له الخير أكتر من حب الفرد لنفسه، ولذلك تربّع على قلوب أتباعه، وكان يحترم الآخرين وينزل الناس منازلهم وإن اختلف معهم في الإنتماء السياسي، ولذلك أحبه الجميع، بل كان يعضهم يعادي الفكر الإسلامي الذي ينتسب إليه الأستاذ، فإذا ذكره الآخرون بسوء أنبروا يدافعون عنه قائلين: إلا الأستاذ محمد !! وهناك كثير من المواقف الدالة على ذلك وهي كالتالي:
    • سعادته وراحته ببذل الجهد واستفراغ الطاقة في عمل دعوي
    • يحرم على الأستاذ ومن معه نوم العسيلية: يقول المثل العامي عندنا (يحرم على الجَمّال نوم العسيلي) وهو النوم في البكور بليالي الشتاء الباردة، فقد كان ولا يزال ينام من بعد الساعة الحادية عشرة ليلا ويستيقظ قبل الفجر ويوقظ من معه، ويمنع نفسه ومن معه من النوم حتى الساعة الحادية عشر ليلاً، إلا من لم يرتبط بعادة المقيل فقد كان ينام بعد الظهر.
    • نريد دعاة مثل موقص الحجارة: هذا قول الأستاذ يدل على حبه للدعوة وبيان ذلك المتابعة التي قيل فيها وهي: أننا في فترة من الفترات ونحن في منطقة النشمة، أيقظنا لصلاة الفجر ونحن خارجين وهو يتقدمنا، كان بجانب المكان مساحة أرض خالية فيها كومة من أحجار البناء، وهناك موقصي أحجار منهمكين على ضوء الكهرباء، وقد باتو الليلة في ذلك، فلما رمقهم الأستاذ أخذ نفساً عميقا وقال: “كنا نريد دعاة لهم همة ونشاط مثل هؤلاء” ، فرد عليه أحد الاخوة الذين معه قائلا: “يا أستاذ نحن أكثر منهم جهداً ونشاطاً، ننام الساعة الحادية عشر وتوقظنا الساعة الرابعة” وضحك الاستاذ لذلك.
    • لا يوجد في الدعوة إلى الله إجازة: هذا قول للأستاذ قاله في وجهي حرصاً، والمناسبة أننا كنا نمارس العمل الدعوي في منطقة “النشمة” التابعة لمديرية المواسط آنذاك (المعافر حاليا) طوال الأسبوع، وكنا نسافر لقريتنا وأولادنا آخر الأسبوع والعودة صباح يوم السبت، ولا يحق لأحد أن يزيد على ذلك.
    • في إحدى المرات صادف أن جاء يوم السبت إجازة رسمية فاجتهدت أن أبقى ذلك السبت في القرية مع الأهل، ثم سافرت إلى منطقة “النشمة” اليوم التالي مع الفجر الباكر، وقبل أن أرد النفس كما _يقال_ إذا بالأستاذ ينظر بعينيه نظرة غضب وعدم رضا ويتبعها بالقول: يا أستاذ أين أنت يوم أمس؟ فأسرعت بالإجابة: بالأمس كانت إجازة! فرفع صوته قائلاً: يا أستاذ لا يوجد في الدعوة إلى الله إجازة.

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى